إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) .
كتاب الروض المربع الجزء الثاني
82262 مشاهدة
حكم الدفع قبل نصف الليل

والدفع قبله أي: قبل نصف الليل فيه دم على غير سقاة ورعاة، سواء كان عالما بالحكم أو جاهلا عامدا أو ناسيا، فوصوله إليها أي: إلى مزدلفة بعد الفجر فعليه دم؛ لأنه ترك نسكا واجبا لا إن وصل إليها قبله أي: قبل الفجر فلا دم عليه، وكذا إن دفع من مزدلفة قبل نصف الليل وعاد إليها قبل الفجر لا دم عليه.


قد عرفنا أن المبيت بمزدلفة واجب من الواجبات وترك الواجب فيه دم، فإذا لم يصلْها إلا بعد طلوع الفجر ثبت الدم عليه، وإذا دفع منها قبل نصف الليل ثبت الدم عليه؛ لأنه ما بات بها، وصلها مثلا، والليل اثنتا عشرة ساعة من المغرب إلى الفجر، وصلها في الساعة الخامسة أو الخامسة والنصف، ثم بات بها إلى الفجر فهذا قد أدرك.
فلو خرج منها الساعة الخامسة ولم يعُد إليها ثبت الدم عليه، وهكذا لو لم يصل إليها إلا بعد الفجر ثبت الدم عليه، استثنوا من ذلك: من خرج منها في الساعة الخامسة، ثم رجع إليها في الساعة السابعة فهذا سقط عنه الدم كالذي خرج من عرفة مثلا في الساعة الحادية عشرة ثم رجع في الساعة الثانية عشرة والربع فإنه قد أدرك. يعني: انصرف نهارا ورجع ليلا.
فهذه ثلاث حالات:
الحالة الأولى: أن يخرج منها قبل أن ينتصف الليل فهذا عليه دم.
الحالة الثانية: أن لا يصل إليها إلا بعد طلوع الفجر فهذا عليه دم.
الحالة الثالثة: أن يخرج منها قبل نصف الليل، ثم يرجع إليها في آخر الليل فهذا لا دم عليه.
.. هذه مسألة جديدة، شيء حادث، ما تكلم فيها الأولون؛ لأنهم ما تصوروا هذا الزحام الذي يحصل لبعض الناس في هذه الأزمنة؛ ولا يصلون إلا في الضحى؛ فلذلك ما ذكروه، ولكن لعله يسقط لأنهم ما تمكنوا، ولا يستطيعون أن يذهبوا على أرجلهم، فإن استطاعوا أن يذهبوا راجلين وجب عليهم، فإذا لم يفعلوا وجب عليهم الدم.
.. يتصور يعني: ناس كثير، يعني: كانوا وقفوا في ..السلوات، يعني: مشوا من عرفة عند غروب الشمس، ويمكن في ست ساعات ما قطعوا لهم كيلو، ورأوا أو تيقنوا أنهم يبقوا كذلك، قالوا: ما لنا إلا ننزل ونخلي السيارة على جنب، نطلعها من الخط، ولو على أرجلنا، وندرك المبيت. ما جاءوا إلا قبل الفجر بساعتين أو بثلاث ساعات، فلهم ما يعني: فرش وأهبة قليلة وتم حجهم.
..ما أدركوا. يعني: قبل طلوع الفجر ولو بقليل أدركوا.